مقالات الدكتور جاسم سلطان

تاريخ الوفاق والشقاق

– وأقسى أنواع العبر في التاريخ هو الفتن بعد الوحدة، والصراع بعد الظفر. وتأمل قول الله عز وجل (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون)، فبعد النصر ينقلب الأمر إلى خسران وحسرة.

سوريا بعد سقوط النظام أمام تحدٍ كبير، فالناس تجمعت بعد فرقة ونزاع بين يسار ويمين، واليمن مقسم كطيف واسع، والنزعة الفردية سائدة. ونقطة التجمع مشدودة بين فكرة التخلص من طاغية وبين إنشاء وطن حر متماسك… والهدف الأول تحقق ولكن الهدف الثاني مسار آخر…

مسار الدولة والتأسيس هو مسار صعب وشائك تظهر فيه:
قضايا النزاع المؤجلة
النزعات الفردية وحب السلطة
القضايا الحزبية والانتصار للجزء على حساب الكل
وليس ذلك بغريب على الطبيعة البشرية… لكن!

فقد يقول قائل دع الآليات الديمقراطية تحسم الأمور… دستور وقانون وانتخابات، وننسى أن تحت تلك المصفوفة توجد ثقافة أهم شروطها التوافق على الأفكار المؤسسة وعلى سبب احترام تلك الآليات… فهي صمام أمان وليست بديلاً عن الثقافة التوافقية…

الثقافة هي العمق الذي يجعل الآليات محترمة، والفصل بين السلطات حقيقياً… وذلك لا ينشأ بين عشية وضحاها، بل عبر مسار ثقافي تترسخ فيه ثقافة الحوار وتنظيم الاختلاف…

العنف ضد المخالف لا يبدأ باستخدام السلاح، ولكنه يبدأ من إهدار حق الاختلاف، ثم يرتقي إلى العنف المادي…

سوريا اليوم مختبر كبير لشعب جرب الاختلاف طويلاً ولامس نتائجه… وكلنا أمل أن يقوم نظام ومجتمع يستوعب حق الاختلاف أولاً ويرى مسارات انتهاكه عبر التاريخ فلا يكررها…

جاء وقت العمل الشاق على تغيير ما في الأنفس ومراقبة السلوك الفردي والحزبي كمثل مراقبة الحكومة وفصل السلطات…

الوعي بمسار التاريخ ودور الوفاق والشقاق في الصعود والهبوط الحضاري هو أول وأهم درس في حركة التاريخ… حفظ الله الإنسان من غوائل نفسه…

الخلاصة: قائمة المخاطر طويلة في عصر التداخلات، ولكن الوفاق هو مرتكز النجاح الأول…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى